ما هو الشعر؟

من طرف هيفرون الخميس فبراير 26, 2009 4:45 pm

إذا أخذنا دبوساً وأدخلناه تحت جلد أي مواطن عربي فإن سائلاً سحريا سوف يتدفق , هذا السائل ليس نفطاً ولا هو من مشتقات النفط وإنما هو سائل أخضر اللون ذهبي الشعلة أبدي التوهج اسمه الشعر ,الشعر لا النفط هو مخزوننا الحضاري وهو مخزون لا يتناقص ولا ينشف وليس لمنظمة الأوبيك سلطان عليه ولا للدول العظمى قدرة على احتكاره وتسويقه لأنه ينبع من أعماق الروح الإنسانية حيث لا سلطان لأحد.إن الشعب العربي محكوم بالشعر كما هولندا محكومة بالبحرو أوستراليا بالقمح و كوبا بقصب السكر وسيلان بالشاي ,والشعب العربي هو الشعب الوحيد الذي يذهب لسماع أمسية شعرية بالحماس ذاته الذي يذهب به إلى حفلة عرس أو مباراة لكرة القدم أو إلى كارنفال للرقص الشعبي وإذا كانت فلورنسا تفتخر بميكل آنجلو وفينيسيا تفتخر بزجاجهاالملون والقدس تفتخر بعدد أنبيائها وقديسيها ودمشق تفتخر بوردها البلدي فإن جمهورية موريتانيا العربية تفتحر بأنها أرض المليون شاعر.. مليون شاعر هل هذا ممكن ؟ بالنسبة للخيال العربي كل شيء ممكن ,إن الشعر كان مفصلاً أساسياً في الحياة العربية ومرفقاً خطيراً من مرافق الدولة لا يقل أبداً من حيث الأهمية عن مرافق الدفاع والخارجية والإعلام . في قصر الحاكم كان الشعر موجوداً وفي المساجد وحلقات التعليم كان موجوداً وفي المقاهي والأحياء الشعبية كان موجوداً وفي الوزارات كان موجوداً, ومن منا لا يعلم أن القبائل العربية كانت تحتفل بظهور شاعر فيها كما يحتفلون اليوم بتنصيب البابا أو تتويج إمبراطور أو إطلاق رائد فضائي إلى القمر ,الشعر موجود في كل تفاصيل حياتنا اليومية في الأفراح نقدمه مكان الورد الأبيض والقرنفل وفي المعابد نشعله بخوراً لاسترضاء الله وفي المسيرات نفجره قنبلة لإسقاط الحكم. وإذا كان العالم العربي يعيش في هذه الأيام ذروة تساقطه وانهياراته فإلى أي حد يمكن اعتبار الفكر الشعري مسؤولاً عن هذه الإنهيارات ؟ إن الشعر كشعر لا يمكن أن يتحمل وحده أخطاء العصر العربي وانحرافاته لا يمكن أن يكون وحده مسؤولاًعن قرون من التناثر والتبعثر والتشرذم القومي والثقافي ,الشعر هو الوجه الآخر للإنسان فإن كان شعرنا هو هكذا .. فلأننا هكذا فعندما كان الإنسان العربي عظيماً كتب شعراً عظيماً وعندما صار هابطاً كتب شعراً هابطاً فالشعر مادة حساسة جداً كأفلام التصوير فإذا كنا سعداء كانت الصورة ناجحة وإذا كنا أشقياء احترقت الصورة .الشعر رقص باللغة رقص بكل أجزاء النفس وبكل خلجاتها الواعية واللاواعية وبكل أحلامها الممكنة وغير الممكنة,ولكن يجب أن نعلم بأننا ما زلنا ندور حول الغلاف الخارجي لكوكب الشعر أما مفاتيح القسم الداخلي فليست معي ولا معك وهي بالتأكيد مثل مفاتيح بيوت غرناطة ليست مع أحد.(كل الطرق لدى الأوروبيين توصل إلى روما وكل الطرق لدى العرب توصل إلى الشعر) من كتاب ما هو الشعر لنزار قباني.[b]