من أدب (عصر الانحدار)

السخرية والهزل في الشعر (في عصر الانحدار)
السخرية والهزل ظاهرة واضحة في آداب الأمم كلها والأدب العربي خاصة ،ونلحظ بذور هذا التوجّه في الشعر الجاهلي ثمّ الإسلامي( وخاصة في الهجاء)، وقد اتسع هذا في العصر العبّاسي وصار نهجاً واضحاً عند الشعراء ، إذ تفرد به بعضهم وقصر شعره عليه .
أمّا بعد ذلك (في العصر المملوكي والعثماني) فقد وصل هذا الأمر إلى ذروته ، لأنّ السخرية غالباً ما تلازم الاضطراب والضيق فتكون منفذاً و متنفساً للناس .
فالسخرية والضحك أصبحا فلسفة من فلسفات الوجود ،لها طرائق ومهام :
1 – مهام اجتماعية (عندما يتعرض المجتمع للضيق و الشدة يحاول تخفيف ذلك بالضحك)
2 – مهام فردية (حيث يعيد الضحك التوازن النفسي للفرد بعدما يتعرض له من المصاعب في عيشه).
من رواد هذا الفن ابن دانيال ، وابن سودون ، علي المغربي ،.....)
ومن القصائد التي اشتهرت في هذا المجال(القصيدة الدبدبيّة ) للشاعر علي بن المغربي والتي تقوم على المفارقة بين ما هو كائن وما يحب أن يكون وعلى ترديد البديهيات .
يقول علي بن المغربي :
أي دبـــــدبة تدبـدبي أنا علي بـــن المغربي
أنا الذي أسـد الشرى في الحرب لا تحفل بي
أنا الذي كل الملــــو ك لـيس تخشى غضبي
===========================
يقول ابن دانيال :
واسمع وصايا حاذق مجرّب يصغي إلى أقواله ذوو الهوى
واعمل بما أقوله واطرح الــــــــــــجهل فإنّ الجهل يزري بالفتى
إذا وجدتَ في الشتاء عارياً مرتعداً نادِ : عليـــــــك بالدفى
والقطّ قد يخــــدش من لاعبه والكلب إن أوجعه الضرب عوى
والطفل قد يضحك إن أطعمته الحـــــلوى وإن أخذتها منه بـكى
والقطن إذ يُضرب لا صوت له وإن ضربت الطبل بالسوط دوى
==============================
ويقول ابن سودون وهو رائد هذا الفن : (من البحر الكامل)
البحر بـــحر والنخـــيل نــــخيل والنيل نيــل والزراف طويل
والأرض أرض والسماء خلافها والطير فيما بين بين يجول
و إذا تعاصفت الرياح بروضة فالأرض تثبت والغصون تميل
من ظن أنّ الماء يشبع جوعه هذا لعمــــــري ذاهل بهـــــلول
لكنّ من قـــد عام فيه بثوبه تلقاه بُـــــلّ وثوبه مبــــــــلول
اسمع أخي فوائد صحت فعن أهل التجارب كلّ ذا منقـــــول
==============================
ويقول في وصف زواجه :
وكنت عند زواجي قد وصلت إلى حد الأشد وعقلي في الورى اشتهرا
فكنت أعلم من عقلي وكــــثرته أني إذا نمــت مع ظهري يكون ورا
هذا وعقل عروسي كان أصغر من عقلي و لكن حوت في عمرها كبرا
تعضّ لا أخشى من عضّها ألما إذ نظم أسنانها في ثغرها انتــــشرا
في السن قد طعنت ما ضرّ لو طُعِنت بالسن من رمح أو سيف قد انبترا
في لونها نمش ، في أذنها طرش في عينها عمش للجفن قد ســــــترا
في بطنها بعج في رجلها عرج في كفّها فرج ما ضرّ لو كُـــــــِسرا
تظلّ تهتف بي حسني حظيتَ به أوّاه لو حاشها موت لها قــــــــــبرا
============================

ابن سودون يرثي أمه :
لموت أمّي أرى الأحزان تحنيني فطالما لحّستني لحــس تحنين
وطالما دلّـــــعتني حال تربيتي حتّى طلعتُ كما كانت تربيني
أقول (نمنم) تجي بالأكل تطعمني أقول (امبو) تجي بالماء تسقيني
إن صحت في ليلة (وي وي) لأسهرها تقول (هاها) بهزٍّ كي تنّـــنيني
كم كحلتني ولي في جبهتي جعلت (صوصو)بنيلي وكم كانت تحنّــيني
وربما شكشكتني حين أغضبها وبعد ذا كشكشتني كي ترّضيني
وفي زواجي تصدت للجلاء عسى على المنصة تلقاني بتزيــــيني
وربت أولادي أيضاً مثل تربيتي وبعد ذلك ماتت ، آه وا أنيني
وخلّفتني يتيماً ابـــــن أربعة وأربعين ســــــنيناً في حسابيني
==================================

من طرف **محمد العاسمي** الأحد مارس 15, 2009 9:50 pm

شكرا لك أبا معاذ
أمتعتنا وأفدتنا
نرجو أن تدوم معنا في مثل هذه المساهمات الجميلة

من أدب (عصر الانحدار)

من أدب (عصر الانحدار)

رد: من أدب (عصر الانحدار)